لسانك حصانك

هل تذكر المثل الشعبي "لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن هنته هانك"؟ تعالى أحدثك في موضوع يبين لك مدى أهمية الكلمة ولماذا يجب أن نفكر جيدا قبل النطق بأي كلام أو ترديد ما نسمعه دون فهم أو وعي.

لسانك حصانك

كلما تأملت قصة "أبو لهب" وحاله في حياته ومماته، أجد امرا عجيبا جدا. هذا الرجل غضب عليه ربنا (جل وعلا) غضبا شديدا جدا قد يكون أكبر من غضبه على فرعون نفسه، الذي ادعى الالوهية.

وإذا قرأت عن حياته وعلاقته مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ستزداد عجبا، فلن تجد فيها ما هو غريب أو مختلف عما كان يفعله باقي كفار مكة من إيذاء وعداء للمسلمين ودعوتهم.

فتعالوا نرى كيف كانت حياة "أبو لهب"، وكيف غضب الله عليه، وما وجه الاختلاف بين عداوته وعداوة غيره من الكفار للإسلام.


من هو "أبو لهب"؟

هو عبد العزى بن عبد المطلب، عم النبي (صلى الله عليه وسلم) واشتهر بين قومه بلقب "أبو لهب"... وما قد لا تعرفه هو أن كُنية "أبو لهب" هي في الأصل مديح، أطلقه عليه أبوه "عبد المطلب" لأن "أبو لهب" كان شديد حمار الوجه وهو ما كان يعتبر من علامات الوسامة.. يعني "أبو لهب" لم يكن رجلا قبيحا، كشر الوجه وذو شعر أشعث كما كان يظهر في الأفلام الدينية.

لَقب "أبو لهب" في الأصل مديح، وتعني شديد حمار الوجه وهو من علامات الوسامة

لما وُلد النبي (صلى الله عليه وسلم) فرح "أبو لهب" فرحا شديدا جدا لدرجة انه أعتق الجارية التي بشرته بالخبر. والحقيقة ان "أبو لهب" كانت علاقته بالنبي (صلى الله عليه وسلم) ممتازة حتى قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة. حتى ان اثنين من أولاد "أبو لهب" وهما "عتبة" و"عتيبة" كانا متزوجان من ابتي النبي (صلى الله عليه وسلم) السيدة "زينب" والسيدة "أم كلثوم".

إلى هنا كانت الأمور كلها طيبة... إلى أن يأتي اليوم ويعلن النبي (صلى الله عليه وسلم) عن دعوته الجديدة والرسالة التي أوحى إليه بها ربنا (سبحانه وتعالى). وتنقلب مكة كلها رأسا على عقب وينقلب معها حال "أبو لهب" مع النبي (صلى الله عليه وسلم) من الحب الشديد للعداوة الأشد ويشاركه في هذا زوجته "أم جميل"، "أروى بنت حرب بنت أمية" والتي هي أخت "أبو سفيان". لدرجة أن "أبو لهب" أمر ولديه الاثنين "عتبة" و"عتيبة" ان يطلقا بنتي النبي (صلى الله عليه وسلم) وللأسف نفذوا أمره وطلقوهما.


علامات غضب الله عليه


الأولى

"أبو لهب" هو الكافر الوحيد من قريش الذي ذُكر في القرآن الكريم بالاسم، أو بالأصح بالكُنية - وسنعرف لماذا الكنية لاحقا - دونا عن باقي المشركين الذين كانوا أهم منه وأكثر منه سلطانا وسطوة مثل "أبو جهل" و"الوليد بن المغيرة" و"العاص بن وائل" و"أمية بن خلف" ومن كانوا يلقبون بصناديد الكفر في مكة.

كل واحد من هؤلاء ذُكر في القرآن بموقف له أو قصة، لكن ليس بالاسم. فمثلا قال ربنا (جل وعلا) يقول: (فلا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * ...) [القلم] واللي نزلت في "الوليد بن المغيرة" أو حين قول (تعالى) :(وضرب لنا مثلا ونسي خلقة * قال من يحيي العظام وهي رميم * ...) [يس] واللي نزلت في "العاص بن وائل" وهكذا.

أما "أبو لهب" فلا، فقد ذكره ربنا بالاسم وحين يذكر ربنا شخصا بالاسم في القرآن، يكون ذلك إما للتعظيم والتشريف مثلما ذكر سيدنا "زيد بن حارسة" أو للغضب واللعن الشديد مثلما ذكر "فرعون"... وطبعا واضح في أى جهة يقف "أبو لهب".


الثانية

"أبو لهب" أفردت له سورة كاملة في القرآن الكريم له هو وحده.. صحيح هي من قصار السور -٥ آيات فقط- ولكن كأن ربنا (جل وعلا) لا يريد أن تتداخل أى قصة أو أحكام أخرى مع قصة "أبو لهب".

يعني مثلا لو قلت لك: سورة "البقرة" تتكلم عن ماذا؟ ستقول مواضيع كثيرة، بني إسرائيل، الميراث، التداين والجهاد وغيرها... لكن لو سألتك عن "المسد"، ستقول عن "أبو لهب" طبعا. وكأن ربنا (جل وعلا) لا يريد أن يشتت أو يضعف إحساس القارئ لمدى سخطه على "أبو لهب" بأن تدخل قصة أخرى في السياق وتصبح قصة "أبو لهب" مجرد قصة ضمن القصص في السورة. مثل قصة "قارون" مثلا، التي هي جزء أو آيات قليلة من سورة القصص.


الثالثة

"العدسة" مرض جلدي خطير أشبه بالجُزام وله رائحة نتنة

سورة "المسد" نزلت في "أبو لهب" وامرأته وهما أحياء وقبل أن يموت "أبو لهب" بعشر سنين. فهذه السورة تعتبر غلقا لباب التوبة في وجه "أبو لهب" وامرأته وهما أحياء وهذا أمر لم يحدث لأحد سوى "إبليس". حتى "فرعون" بكل جبروته، لو كان تاب قبل أن يغرق لغفر الله له وعفا عنه.

هل أنت متخيل ماذا يعني شخصا يسير في الأرض كأنه شيطان ملعون؟ ليس له توبة. أي أحد منا باب التوبة مفتوح له طول حياته، ما لم يغرغر، يعني الروح تبدأ الطلوع منه وقت الموت. لكن "أبو لهب" أغلق باب التوبة في وجهه قبلها بعشر سنين.

أنا أريدك – ونحن نعد العلامات – أن تظل متخيلا معي مدى غضب وسخط ربنا (جل وعلا) على "أبو لهب" كما لم يغضب على بشر آخر قط، قبله أو بعده.


الرابعة

مات "أبو لهب" بعد غزوة بدر بأيام قليلة. مات كمدا وغيظا لما سمع بخبر انتصار النبي (صلى الله عليه وسلم) وهلاك كل قادة قريش الكبار.

لكن قبل أن يموت أصيب بمرض مُعدي اسمه "العدسة"، مرض جلدي خطير كان العرب يفزعون منه.. فابتعد عنه أولاده، والكل خاف أن يقترب منه إلى أن مات. ولما مات ظلت جثته في بيته أيام ولا أحد يريد أن يدفنها خوفا من المرض حتى أنتنت جثته وفاحت رائحتها وبدأت تأذي الناس.

فقام أولاده بحفر حفرة وبدأوا يدحرجون جثته بعصي طويلة من بعيد - مثلما نتدحرج صرصورا ميتا حتى ترميه في البالوعة – حتى ألقوه في الحفرة ورموا عليه الحجارة من بعيد حتى دفنوه... شيء في منتهى الإهانة والتحقير.


لماذا كل هذا الغضب؟

لماذا؟ ... لماذا كل هذا الغضب؟ ... لماذا لعن الله (تعالى) "أبو لهب" بهذا القدر؟ ... هل "أبو لهب" عذب مسلمين؟ -لا... هل ضرب أو مد ايده على النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ -لا.

أحيرك أكثر؟ ... أعرف ان "أبو لهب" وزوجته تاريخهم كله ليس فيه تعذيب ولا قتل ولا جلد ولا حرق ولا أي شيء من الفظائع التي كان باقي كفار مكة يفعلونها بالمسلمين.

كان "أبو لهب" هو الآلة الإعلامية التحريضية في مكة ضد النبي (ص)

لكن السبب في كل هذا اللعن، أن "أبو لهب" وامرأته كانا هما المحرضان الأساسيان لكل هذه الأفعال في حق المسلمين.. كانا هما الآلة الإعلامية التي تسير في المكة لتحرض ضد النبي (صلى الله عليه وسلم).

كانا لا يتركان مجلسا للكفار إلا ويكلماهم بالسوء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ويحرضاهم: "أستجلسون هكذا وتتركوا "محمد" ينشر دعوته ويهدد ملككم؟". ويختلقان الأكاذيب وينشرانها، ويقلبان الحق باطل والباطل حق... فيتمادى باقي الكفار في تعذيب وإيذاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه. صحيح أنهما لم يعذبا، لكنهما استحقا وزر كل من عذب من بعد كلامهما. صحيح أنهما لم يقتلا، لكنهما استحقا وزر كل من قتل بسبب تحريضهما.


أحذر

باقي أن أقول لك معلومة واحدة وهي لماذا ذكر "أبو لهب" بكنيته وليس باسمه "عبد العزى"؟

السبب هو انه سيكون هناك "أبو لهب" ثاني وثالث من بعده. كل واحد يحرض ضد الحق وأهله هو أيضا "أبو لهب" وكل واحدة تنشر الإشاعات والأكاذيب اللي تأذي الناس بدون دليل، هي أيضا "أم جميل".

كل واحد عنده منبر يكلم من خلاله الناس سواء تليفزيون أو راديو أو صحف ومجلات أو حتى قناة على اليوتيوب والفيس بوك، لابد أن يأخذ حذره جيدا جدا من كل كلمة يقولها وما يمكن أن تسببه. أو من يمكن أن تأذي. ولا يردد الاشاعات مثل الببغاء ولا يألفها. ويتأكد ألف مرة قبل أن ينشر أو يعيد نشر خبر جائه من هنا أو هناك.

وأحذر عزيزي القارئ أن تكون "أبو لهب" وانت لا تدري.. وأحذر يكون الله قد غضب عليك وأحبط عملك وانت سرحان ولا تبالي، أو يكون باب التوبة قد أغلق عليك وانت غارق وسط اشاعاتك وأخبارك.

وتذكر دائما "لسانك حصانك"

لا تنس أن تشاركنا رأيك بالتعليق والإعجاب . وأيضا، إعادة نشر المقال مع أصدقائك

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow